العناد مرحلة يمر بها جميع الأطفال، فإذا كان طفلك الصغير عنيدًا فاطمئن؛ فهو ليس صفة سيئة في جميع الأحوال.
لكن الطريقة التي تعالج بها عناد طفلك ستحدث فرقًا كبيرًا في نوع الشخص الذي يتحول إليه، فإما تبني شخصية قوية لا تتعب معها طوال حياتك، وإما تربي طفلًا اتكاليًّا معتمدًا عليك في كل شؤونه، والخيار الثالث والأسوء أن تنشئ شخصًا متمردًا يشقى وتشقى به أيضًا.
وهناك أنواع للعناد تنقسم حسب المرحلة العمرية للطفل، ويتطلب كل نوعٍ معاملة خاصةً ومختلفةً عن غيره، فما أنواع العناد وأسبابه؟ و كيف تتعامل مع مشكلة العناد عند الاطفال؟ هذا ما سنوضحه بالتفصيل في المقال.
أنواع العناد عند الأطفال
ينقسم العناد حسب مرحلة الطفل العمرية إلى: عناد طبيعي، وعناد سلوكي، إليك تفصيل لكلا النوعين، وكيف تعالج مشكلة العناد عند الاطفال في كل نوع.
العناد الطبيعي
تبدأ مرحلة العناد الطبيعي عند الطفل بعد عمر العام، وتستمر حتى أربعة سنوات أو أكثر قليلًا، وتسمى تلك المرحلة بالمراهقة الصغرى، والعناد في هذا السن لا يسمى سلوكًا ولا يعد عيبًا، بل هو تصرفٌ طبيعيٌ، ومؤشر على الصحة النفسية لدى الطفل، وضرورة لنموه النفسي وتطور مهاراته، إذ يساعد الطفلَ على تنمية خمسة مهارات أساسية في تلك المرحلة، وهي:
الاستقلالية
تتسم السنة الأولى من عمر الطفل باندماجه في شخصية الأم، فلا يعرف الأنا بل يرى أنه وأمه نفسٌ واحدة، وتكون الأم هي المتحكمة في كل ما يخص حياته، ومع نمو الطفل وتطوره يبدأ الانفصال عن أمه تدريجيًّا، ويكون العناد هو بداية ذلك الانفصال، فتبدأ استقلاليته بتعبيره عن رأيه وقوله لا.
الاعتماد على الذات
يسعى الطفل للخروج عن الاعتمادية والتبعية السلبية للأم، والاعتماد على ذاته، فيحاول تجربة وفعل كل شيئ بنفسه، مثل: الأكل، والشرب بنفسه، ارتداء ملابسه، والنزول من سريره، وغير ذلك، مما يشعره بالإنجاز ويؤسس للقيم الإيجابية في شخصيته.
المبادرة
يبدأ الطفل في اختبار قدراته، ويرى أنه يستطيع، فيحاول ويبادر في العديد من الأفعال المختلفة، والمبادرة هي التي تحثه على القيام بالنزول من سريره بنفسه، ومحاولة الأكل والشرب منفردًا، وغيرها من الأفعال الأخرى، والتي قد ينتج عنها خسائر وتزعج الأم، لكنها تنمي مهارات الطفل.
تذكري؛ لولا روح المبادرة لما حاول الطفل تجربة أي شيئٍ جديد، والعناد هو المادة الخام والعنصر الأهم في اكتساب صفة المبادرة.
بناء الذات
يبني الطفل شخصيته المنفردة عن الأم، ويطور صفاته، فيكثر من ترديد كلمة “لا” كطريقة للتعبير عن إرادته الحرة وذاته المنفصلة، فيجب على الأبوين التعامل مع تلك الكلمة بشكل إيجابي، باعتبارها وسيلة لبناء شخصية الطفل.
مهارة التفكير
التفكير هو المهارة الأساسية التي تقود طفلك لبناء كل المهارات الأخرى وتجربة كل جديد، فلولا أنه بدأ يفكر لما ظهرت الأربعة مهارات السابقة.
ما التعامل الصحيح مع مرحلة العناد؟
تستلزم مرحلة العناد تعاملًا خاصًا من الأبوين مع الطفل، حتى تكون مرحلة إيجابية ولا يتحول العناد بعدها إلى سلوك دائم، فكيف تتعامل مع مشكلة العناد عند الاطفال قبل أربعة سنوات؟
- اعط طفلك الاهتمام الكافي وأنت تتعامل معه أثناء نوبة عناده، وحافظ على هدوءك وتواصل معه بصريًا حتى يهدأ ويتفاعل معك
- لا تسارع لتنفيذ طلبه حتى يتوقف، لكن حاول تشتيت انتباهه بأي شيئٍ آخر حتى يهدأ وينسى.
- التزم معه بأدب الحوار، فلا تتطاول عليه بالقول أو الفعل حتى لا يزيد عناده أكثر، بل قدر مستوى تفكيره وتكلم معه بأسلوب راقٍ.
- ضع قواعد ثابتةٍ ونسق مع زوجتك لتطبيقها، فلا ينبغي أن يطلب الطفل من الأم فترفض، ثم يطلب نفس الشيئ من الأب فيوافق، أو العكس.
ولمعرفة المزيد عن كيفية التعامل مع الطفل في مرحلة العناد؛ اقرأ مقالنا: كيفية التعامل مع الطفل العنيد والعصبي في عمر السنتين والنصف.
تفيد هذه الخطوات في علاج العناد بدايةً من عمر السنتين، أو فيما يعرف بمرحلة العناد، لكن قد يستمر العناد مع الطفل ويتحول إلى سلوكٍ، فما أسباب ذلك؟ و كيف تعالج مشكلة العناد عند الاطفال بعد عمر أربعة سنوات؟
أسباب تحول العناد إلى سلوك
مشكلة العناد عند الاطفال بعد عمر الأربعة سنوات قد يكون لها العديد من الأسباب، إذ يمكن أن يتخذ الطفلُ العناد كوسيلة لفرض رأيه على الأبوين، وينتهجه كقانون للتعامل معهما وتحقيق رغباته، ومن أبرز أسباب تحول مرحلة العناد إلى سلوك عند الطفل ما يلي:
1- الحماية الزائدة من الأبوين للطفل وفرض القيود عليه، مما يجعله يتخذ العناد كمحاولة للاستقلالية وتكوين ذاته بعيدًا عنهم.
2-الإفراط في الدلال للطفل وتلبية كل رغباته يجعله أكثر ميلًا للعناد، فإذا رفض أحد الأبوين طلبًا بعد ذلك أصر الطفل عليه واتخذ العناد نهجًا لذلك.
3- عدم شرح الأسباب عند رفض أي طلب للأبناء، واتخاذ نهج الرفض المطلق دون الشرح والتوضيح للطفل؛ يزيد من مشكلة العناد عند الاطفال أيضًا.
4- عدم إنصات الآباء لأطفالهم، وانشغالهم الدائم عنهم، مما يؤدي إلى اتباع الطفل لسلوك العناد حتى يلفت الانتباه إليه.
5- المعاملة القاسية والألفاظ الصعبة من الآباء لأبنائهم، وهنا يكون العناد عند الطفل طريقة للانتقام وتفريغ غضبه.
6- تفضيل الأبوين لأحد الأبناء، مما يسبب الغيرة لدى بقية الأبناء، ويزيد عنادهم.
7- الشجار الدائم بين الأبوين، مما يسبب توترًا للأطفال ويؤدي لعنادهم.
8- التهديد المستمر بالضرب أو العقاب، قد يزيد من مشكلة العناد عند الاطفال أيضًا.
9- أحلام اليقظة عند الطفل وعدم قدرته على التفريق بين الخيال والواقع.
10- تعرض الطفل للتنمر أو أي شكل من أشكال الإيذاء الجسدي والنفسي، فيكون العناد حينها أشبه بصرخة استغاثة.
11- التقليل من الطفل والاستهزاء به، يزيد من مشكلة العناد عند الاطفال، إذ يتخذون العناد حينها كمحاولة لإثبات وجودهم.
هذه بعض العوامل التي قد تتسبب في مشكلة العناد عند الاطفال، وحتى لا يتحول هذا السلوك إلى طبعٍ دائم ويؤدي إلى التمرد؛ يجب الإسراع في علاجه بكافة الطرق الممكنة.
علاج مشكلة العناد عند الاطفال
إليك بعض الأساليب الفعالة لعلاج مشكلة العناد عند الاطفال، تفيد هذه الخطوات حتى عمر ثمانية سنوات:
1- التربية بالقصة
حكاية القصص تفيد جدًا في عملية التربية وتعديل السلوك عند الأطفال، إلى جانب أنها تنمي مخيلتهم، وتثير عواطفهم وعقولهم في آنٍ واحد.
لكن احذر أن تتضمن القصة حكاية كاذبة عن أشخاص واقعيين، فإن هذا يعد من قبيل الكذب على الأطفال.
2- الحد من التعليقات
التعليقات السلبية مزعجةٌ لأي إنسان، ويتأثر الطفل بها بشكل كبير، لذا تجنب التعليقات السلبية على سلوكيات طفل، واستبدلها بكلمات التشجيع والتركيز على الصفات الجيدة.
3- قاعدة الطلبات
يتسم الأطفال بسرعة الملل وسهولة التشتت، فإذا أعطيت طفلك أمرًا أو طلبت منه فعل شيئٍ، فراع طبيعته الملولة، فلا تصدر أكثر من أمرٍ واحدٍ في المرة الواحدة، حتى لا تنقلب استجابته إلى رفض وعناد.
4- توثيق العلاقات
كلما كانت علاقتك بطفلك أقوى وأعمق؛ قل عناده، فاحرص على توثيق علاقتك بطفلك، واجعل العاطفة تغلب عليها، اختلق مواقف لتوثيق تلك العلاقة، مثل:
- الخروج معه.
- اللعب معًا.
- تخصيص وقت له يوميًّا.
- تنظيم رحلةٍ سويًّا.
- الإكثار من الأحضان.
- التعبير عن حبك له بشكل واضح ومتكرر.
وغيرهم من الأمور الأخرى، والتي تساعد على تقوية الروابط العاطفية وتوثيق العلاقة بينكما.
5- المشاركة في المنزل
اجعل طفلك يشارك في الأعمال المنزلية التي تناسب عمره، ولا تستصغر سنه، إذ يمكنه المشاركة معك بعد عمر العام، فكلفه بالمهام الصغيرة، مثل:
- حمل الأطباق معك.
- ترتيب ألعابه.
- تنظيم غرفته.
وغير ذلك من الأمور الأخرى، لكن يجب أن تراعي اختيار المهمة التي تناسب عمره.
إذ تساعده المشاركة في المنزل على شغل وقته بأمور مفيدة، وتوجيه اهتمامه نحو أمور أخرى غير العناد والطلبات، بالإضافة إلى تحمل المسؤولية من الصغر، وتقلل كل هذه العوامل من العناد تدريجيًّا.
6- حل المشاكل باللين
استخدام اللين واللطف في حل المشاكل -ومن بينها مشكلة العناد عند الاطفال- له أثر السحر على الطفل، إذ إن فطرته النقية لا تتحمل التعنيف واللوم الدائمين، وتتأثر بالإحسان في التعامل، واللطف واللين في التقويم.
7-المكافأة على الإحسان
ينسى الكثير من الآباء مكافأة الطفل والثناء عليه إذا أحسن، في حين يشتد عقابهم له إذا أساء، مما يتسبب في زيادة عناده، لذا احرص على الثواب كحرصك على العقاب وأكثر، وأتبِع كل فعلٍ حسنٍ لطفلك بالثناء والشكر، ونوع بين المكافآت المادية والمعنوية.
8- الحب المطلق
حبك لطفلك ثابتٌ مهما حدث أو صدر منه، هذه حقيقةٌ مطلقةٌ احرص على توضيحها لطفلك دائمًا، أخبره أنك ترفض سلوك العناد لكنك تحبه في جميع الأحوال، سيجعله هذا يرفض ما ترفضه أنت، ويقلل من السلوك الذي يزعجك حتى ترضى.
الخلاصة
يرفض الآباء عناد أبنائهم بشكل مطلق، لأنهم يرونه تحدٍ لسلطتهم وطريقة لفرض الرأي عليهم، لكن الأمر ليس كذلك، فالعناد ليس مشكلةً دائمًا بل ربما كان دافعًا لبناء شخصية استثنائية للطفل، كل ما عليك هو التأني والصبر في معرفة أسباب مشكلة العناد عند الاطفال، والحكمة في التعامل مع طفلك العنيد، حينها ستحصد أجمل ثمرةٍ لما زرعته يداك.