الكذب أصل كل فساد، ومصدر كل بلاء؛ فإذا اتصف به النشء الصغير كان نذيرًا لفساد المجتمع وتخلخل قيمه فيما بعد، فكيف اتعامل مع الطفل الكذاب وأعالج ذلك السلوك المشين؟

هذا ما سنوضحه في المقال، ونشارك معك أبرز أسباب ودوافع الكذب عند الأطفال؛ فتابع معنا.

أسباب الكذب عند الأطفال

الكذب مشكلة سلوكية، وليس صفة فطرية، وكل مشكلة سلوكية عند الأطفال لها دافع وسبب لا بد أن تعرفه أولًا حتى تحل المشكلة من جذورها.

وأبرز أسباب الكذب عند الأطفال:

1- صعوبة التفرقة بين الخيال والواقع

تشير بعض الدراسات أن حوالي 10 % من الأطفال يكذبون بسبب أحلام اليقظة، وتداخل الحقيقة مع الخيال، ويزيد ذلك الاحتمال إذا كان عمر الطفل أصغر من 5 سنوات.

وفي تلك الحالة لا نصف سلوك الطفل بالكذب، بل بالخيال الواسع، والذي ينتهي تدريجيًا كلما كبر الطفل وزاد إدراكه للواقع.

2- الخوف من العقاب

السبب الأكثر شيوعًا لكذب الأطفال هو الخوف من العقاب، وقد يكون الخوف ناتجًا عن:

• تعرض الطفل للعقاب الشديد قبل ذلك، سواءً كان العقاب جسديًا بالضرب، أو نفسيًا بالهجر، أو السب، أو النبذ.
• البيئة الأسرية، فإذا كانت الحياة الأسرية غير مستقرة أو آمنة؛ قد يكذب لحماية نفسه أحيانًا.
• مبالغة الأبوين في ردود أفعالهم تجاه أخطاء الطفل أو تصرفاته.

وكذب الطفل بدافع الخوف من العقاب يشير إلى مشكلة تربوية كبيرة، يلام فيها الأبوين قبل الطفل، فلو شعر بالأمان؛ ما اضطر للكذب!

فكيف نحل تلك المشكلة، وكيف اتعامل مع الطفل الكذاب في تلك الحالة؟

• لا تبالغ في رد فعلك، حت لا يخاف الطفل منك فيكذب عليك.
• استمع له باهتمام، وامنحه فرصة لشرح سبب كذبه.
• ناقش عواقب الكذب معه، وعلمه أهمية الصدق، وأن الله يحب الصادقين.

تساعد الخطوات السابقة على علاج مشكلة الكذب، ولكن الخطوة الأهم أن تمنح طفلك الأمان حتى يكون صريحًا معك دائمًا.

3- محاولة جذب الاهتمام

قد يكذب الطفل حتى يجذب أنظار غيره، ويحظى بإعجابهم، فمثلًا: قد يدعي امتلاكه لألعاب غالية ونفيسة حتى يلفت انتباه زملائه، وقد يدعي تفوقه في مدرسته حتى يلتفت أبواه إليه ويحظى بإعجابهم.

كذلك قد يحاول جذب الاهتمام حتى لو عن طريق ادعاء المرض، أو الألم، وهنا يكون الكذب عرضًا لمشكلة أخرى، وهي احتياج الطفل النفسي لاهتمام المحيطين به، وأولهم الأبوين، فإذا انتبهت لتلك المشكلة، وعالجتها؛ سيسهل عليك تعديل سلوك طفلك السلبي.

4- السعي لبعض المنافع

يكذب بعض الأطفال بغرض الحصول على منافع وأغراض أكثر، ومن أمثلة ذلك أن يدعي الطفل طلب المعلم المال منه لشراء بعض الأدوات، ثم ينفق المال على الحلوى والألعاب.

وهنا قد يكون السبب الحقيقي وراء الكذب هو إحساس الطفل بالحرمان، أو النقص مقارنة بأقرانه.

5- التقليد

القدوة هي أكثر طرق التربية تأثيرًا، فإذا فسدت القدوة ماذا تنتظر من النشء؟!

فإذا كان أحد أفراد الأسرة الأكبر سنًا يتصف بالكذب؛ غالبًا سيقلده الطفل دون وعي، أو إدراك لخطورة المشكلة.

ولذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكذب على الأطفال، حتى لا يترسخ ذلك السلوك المشين في نفوسهم البريئة، فعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- أن أمه دعته فقالت له: تعال أعطك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ما أردت أن تعطيه؟ فقالت: تمرًا، فقال: “أما إنك لو لم تعطه شيئًا لكتبت عليك كذبة”.

6- الغيرة والكيد

قد تدفع الغيرة الطفل للكذب وإلصاق التهم بغيره من الأطفال، حتى يتعرضوا للعقاب، أو حتى يقلل منهم أمام الآخرين.

فمثلًا: قد تُكسر مزهرية في منزلك، فيدعي أحد أطفالك أن أخاه من كسرها دون أن يعرف الفاعل الحقيقي لذلك، غيرة منه، أو كيدًا له حتى يتعرض للعقاب.

كانت تلك أبرز دوافع الكذب عند الأطفال، والآن يتسائل العديد من الآباء: كيف اتعامل مع الطفل الكذاب؟

كيف اتعامل مع الطفل الكذاب

إذا كان عمر طفلك أقل من 5 سنوات فلن يشكل الكذب مشكلة حينها حتى تبحث له عن علاج، إذ يرجع سببه غالبًا لخلط الطفل بين الخيال والواقع.

أما إذا كان عمره أكبر؛ فـكيف اتعامل مع الطفل الكذاب حينها؟

الخطوات التالية ستساعدك:

1- لا تحشر طفلك في الزاوية

لا تحاول الضغط على طفلك من خلال مطالبته بالاعتراف على نفسه وحشد الأدلة على كذبه، حتى لا تصغره أمام نفسه، وتشعره بالإهانة والإذلال.

والأولى من ذلك أن تحاول التخفيف عنه وتظهر تصديقك له، ولا تهمل التحدث معه عن أهمية الصدق، ومحبة الله للصادقين، ومدى تقديرك له عندما يقول الصدق، إذ سيجعله ذلك يقلل من الكذب معك مستقبلًا حتى يحظى بثقتك وفخرك.

2- عزز ثقته بنفسه

يكذب بعض الأطفال أحيانًا فيحاولون إثبات فضائل ليست لهم، أو التباهي بأغراض لا يملكونها في الأساس حتى يلفتوا الانتباه ويحظوا بالإعجاب.

والكذب في تلك الحالة يكون عرضًا لمشكلة أخرى، وهي ضعف الثقة بالنفس، والشعور بالنقص، فيجب علاج المشكلة الأساسية أولًا قبل أن تسأل كيف اتعامل مع الطفل الكذاب.

3- كن قدوة حسنة

لن يلتزم الطفل بالصدق في أسرة يكذب فيها الأب، أو الأم، لذا تحرَ الصدق في أقوالك وأفعالك أمام صغارك، إذ إن معظم صفاتهم يكتسبونها منك، فاحرص على التخلق بأحسن الصفات.

4- اعرف دوافعه

اعرف أسباب طفلك ودوافعه التي تضطره للكذب، ومن ثم عالجها، إذ إن معرفة السبب هي الخطوة الأولى لعلاج المشكلة من أساسها.

فمثلًا إذا كان طفلك يكذب خوفًا من العقاب؛ فتعامل مع أخطائه بهدوء، وأعطه وعدًا أن الصدق سيخفف من عقوبته، أو سينجيه منها، أما إذا كان كذبه تقليدًا لك أو لغيرك؛ فيجب إصلاح القدوة أولًا قبل أن تسأل كيف اتعامل مع الطفل الكذاب، وهكذا.

5- علمه قيمة الصدق

علم طفلك قيمة الصدق، ومحبة الله للصادقين، وأن فيه نجاة في الدنيا والآخرة، واشرح له أحاديث النبي الدالة على فضله، مثل قوله: “إن الصدق يهدي إلى البر”.

ووظف القصص في تعليم طفلك، إذ إن لها أثرًا عظيمًا في غرس السلوك الجيد في نفوس الأطفال.

6- خوفه من عاقبة الكذب

خوف طفلك من عاقبة الكذب في الدنيا والآخرة، ووضح له أنه لن ينجيه من العقاب، بل سيجمع عليه عقوبتين؛ عقوبة الكذب، وعقوبة الخطأ.

واحك له قصصًا عن عواقب الكاذبين، وكيف تكون الخسارة من نصيبهم في النهاية.

كانت تلك إجابتنا عن سؤالك: كيف اتعامل مع الطفل الكذاب، والتي ستفيدك في علاج مشكلة طفلك، وإن لم تجد تغييرًا في سلوكه بعدها؛ ننصحك بأن تعرض مشكلته على أخصائي تربوي ليساعدك على معرفة الأسباب، ومن ثم علاج المشكلة.

ختامًا؛ لا تغفل عن علاج مشكلات طفلك السلوكية وتهملها بحجة أنه لا يدرك، فهي كالمرض الخبيث، إن تركتها ستنخر في قيم طفلك وثوابته حتى تقوده للهلاك في النهاية، وأخطر تلك السلوكيات؛ الكذب، إذ هو أصل كل بلاء!

ستفيدك إجابتنا عن سؤالك كيف اتعامل مع الطفل الكذاب حتى تعالج المشكلة، ولمعرفة المزيد عن مشكلات الأطفال السلوكية؛ اقرأ مقالنا: مشاكل الاطفال السلوكية الأكثر شيوعًا، أسبابها وطرق علاجها.

المصادر

كتاب مشاكل الأطفال للدكتور عبدالكريم بكار.

محاضرة مشكلة الكذب عند الأطفال للدكتورة هالة سمير.