قواعد تربية الطفل في الاسلام

الإسلام دين شامل لم يترك جانبًا من حياة الإنسان إلا ووضع له قواعد، ورسخ له أسسًا، ولأن الهدف الأسمى، والغاية العظمى لدعوة الإسلام هي إنشاء جيل صالح وعابد لله؛ أسس النبي لقواعد تربية الطفل في الاسلام، وجعلها شاملة لجميع نواحي حياته.

فشمل منهج الرسول في تربية الأطفال الجانب العقدي، والعبادي، والنفسي، والأخلاقي، والاجتماعي، والعلمي، وحتى البناء الجسمي، والصحي.

نوضح في هذا المقال أهم قواعد تربية الطفل في الإسلام كما حث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتابع معنا.

قواعد تربية الطفل في الاسلام

قواعد تربية الطفل في الاسلام

منذ بداية دعوة الإسلام كان هدفها الأول بناء الشخصية المتزنة والمتوازنة، ولا يتم ذلك إلا بتوجيه الطفل في جميع نواحي حياته، لينال من كل جانب بقدره، فيما يلي تفصيل لتلك الجوانب وكيف أسس الإسلام قواعد لها:

1- البناء العقدي

أول وأهم قواعد تربية الطفل في الاسلام هي بناء العقيدة السليمة عنده، بما في ذلك الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم والآخر، والقدر.

لكن العقيدة الإسلامية مبنية على الغيبيات، لذا قد لا يدركها الطفل في صغره، ويصعب شرحها له، وكذلك إهمال تعليمها للطفل حتى الكبر سيجعله أبعد ما يكون عنها، فكيف تؤسس البناء العقدي عند طفلك؟

يقول الإمام الغزالي في ذلك: “العقيدة ينبغـي أن تقـدم إلى الصبي في أول نشوه ليحفظها حفظا، ثم لا يزال ينكشف له معناها في كبره شـيئا فـشيئا، فابتداؤها الحفظ، ثم الفهم، ثم الاعتقاد والإيقان والتصديق بها، وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان، فمن فضل االله سبحانه على قلب الإنسان أن شرحه في أول نشوه للإيمان من غير حاجة إلى حجة وبرهان، وكيف ينكر ذلك وجميع عقائد العوام مباديها الـتلقين المجرد والتقليد المحض”.

وبالتالي تكون بداية التأسيس بالحفظ والتلقين حتى ولو لم يدرك الطفل المعنى الكامل لما يسمعه، ثم تأتي مرحلة الشرح والفهم تدريجيًا كلما كبر الطفل واتسع إدراكه.

لكن ما أهم قواعد التربية العقدية كما وضحها النبي؟

من خلال النظر إلى قواعد تربية الطفل في الاسلام نجد أن النبي وضع خمسة أركان أساسية في تثبيت العقيدة السليمة عندهم، وهي:

تلقين الطفل كلمة التوحيد

فبعد أن يبدأ الطفل الكلام ينبغي أن تكون كلمة التوحيد من أول الكلمات التي تعلمها له، حتى لو كانت ألفاظُه ركيكةً وغيرَ واضحةٍ بعدُ، ويعد هذا من أهم قواعد تربية الطفل في الاسلام، فعن إبراهيمَ التيميِّ رحمه الله أنه قال: “كانوا يستحبُّون أولَ ما يُفصح -يعني الصبيَّ- أن يعلِّموه: لا إله إلا الله سبع مرات، فيكون ذلك أولَ ما يتكلَّمُ به”.

ويقول ابن القيم -رحمه الله-: “فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا االله محمد رسول االله، وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده، وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم، وهو معهم أينما كانوا”.

حب االله، والاستعانة به

مشكلات الحياة لا تترك صغيرًا أو كبيرًا، لكن تأثيرها النفسي على الأطفال أعمق، وذلك لرقة قلوبهم، فكيف يواجه طفلك الصغير تلك الحياة بمشكلاها وتحدياتها؟

حب الله تعالى، والاستعانة به، والإيمان بقضائه وقدره هم الدليل والنور في طريق طفلك، وسبيله لمواجهة تحديات الحياة وتقلباتها، وهذا هو منهج الرسول في تربية الأطفال عقديًا.

فعن عبدالله عنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- ، قَالَ: كُنت خلْف رسولِ الله يوما فَقَالَ: يا غُلأَم، اِنـي اُعلِّمـك كَلِماتٍ احفَظِ اللَّه يحفَظْك، احفَظِ اللَّه تجِده تجاهك، اإذَا سأَلْت فَاسـأَلِ اللَّـه، واذَا استعنت فَاستعِن بِاالله، واعلَم أَنَّ الامةَ لَوِ اجتمعت علَى أَنْ ينفَعوك بِشئءٍ؛ لَم ينفَعوك اِلا بِشئءٍ قَد كَتبه اللَّه لَك، ولَوِ اجتمعوا علَى أَنْ يضروك بِشئءٍ لَم يضروك إلا بِشئءٍ قَـد كَتبه اللَّه علَيك، رفِعتِ الاقْلأَم وجفَّتِ الصحف”.

ومع غرس حب الله في قلب الطفل ينبغي تعليمه مراقبة الله سبحانه، والخشية منه وحده، فيكون ترك الضرر والمعصية مخافة لله، كما أن فعل الخير والطاعة محبة لله، فعنِ ابنِ عمر قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ: “لَا ترفَعِ الْعصا علَى أَهلِك، وأَخِفْهم فِي اللَّهِ عز وجل”.

حب النبي وآل بيته

بحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحقق الشطر الثاني من الشهادة عمليًا، شهادة أن لا إله إلا االله، وأن محمدا رسول، وقـد سار السلف الصالح وخلفهم في تثبيت ذلك في نفوس الأطفال، إذ به تتحرك مـشاعرهم، وأحاسيسهم، وتزيد حرارة الشعور الإسلامي عندهم، ويستمدون به قوتهم لمواجهة تلك الحياة.

إذ إن النفس البشرية في مرحلة بنائها تحاول أن تتـشبه بـأقوى شخصية حولها، وذلك لتقتدي بها، وتسير على هداها، وتقلدها في كل حركاتها، والتربية الإسلامية طلبت أن يشد الطفل الصغير والرجل الكبير إلى شخص الرسول، فهـو القدوة الثابتة الراسخة، والمثل الأعلى للبشرية كلها، وهو أكمل البشر على الإطلاق.

ومما ورد في ترسيخ محبة النبي وآله الأطهار، وصحابته الأخيار، ما رواه علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قال: قال رسول االله -صلى الله عليه وسلم- :”أدبوا أولادكم على خصال ثلاث: على حب نبيكم، وحب أهل بيته، وعلى قراءة القرآن”.

تعليم الطفل القرآن

ينبغي على الآباء تعليم أبنائهم القرآن منذ الصغر، وذلك ليتوجهوا إلى اعتقاد أن االله تعالى هو ربهم، وأن هذا كلامه تعالى، وتسري روح القـرآن في قلـوبهم، ونوره في أفكارهم، وليتلقوا عقائد القرآن منذ الصغر، وأن ينشؤوا على محبة القرآن والتعلق به، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن مناهيـه، والتخلـق بأخلاقه، والسير على منهاجه.

وقد حث النبي على تعليم القرآن للصغار، وجعله من أهم قواعد تربية الطفل في الاسلام فقال: “أدبوا أولادكم على خصال ثلاث: على حب نبيكم، وحب أهل بيته، وعلى قراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل االله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه”.

الثبات على العقيدة

العقيدة السليمة هي الأساس الذي يحاسبنا عليه الله، وبدونها لا ينفع علم ولا تنفع تربية، ومن تخلى عنها هلك ولو ملك الدنيا، ومن تمسك بها وضحى في سبيلها فاز.

فيجب أن نربط أطفالنا دائماً بالعقيدة الإلهية، وننمي فيهم روح الفداء والتضحية من أجلها بالمال والنفس وكل ثمين عليهم.

لكن العقيدة السليمة وحدها لا تكفي، بل يلزمها عمل صالح، لذا كانت ثاني قواعد تربية الطفل في الاسلام هي البناء العبادي.

2- البناء العبادي

بناء العبادة يعد مكملاً لبناء العقيدة، إذ العبادة تغذي العقيدة بروحها، كما أنها المـنعكس الذي يعكس صورة العقيدة ويجسمها، والطفولة ليست مرحلة تكليف بالعبادات؛ لكنها مرحلة إعداد وتدريب وتعويد، ليسهل على الطفل أداء الواجبات والفرائض عند البلوغ، ولذا كان البناء العبادي من أهم قواعد تربية الطفل في الاسلام.

ويبدأ البناء العبادي بالأركان المفروضة، وهي:

الصلاة

فيبدأ الوالدان بتوجيه الأوامر للطفل للوقوف معهما في الصلاة، وذلك في بدايـة وعيـه وإدراكه يمينه من شماله، فعن معاذِ بنِ عبدِ االلهِ بنِ حبِيبٍ الْجهنِي ،عن أَبِيـهِ، أَنّ النبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “إِذَا عرف الْغلام يمِينه مِن شِمالِهِ، فَمروه بِالصلاةِ”.

وليس المقصود هنا تعليمه الصلاة الصحيحة بأركانها وأحكامها، بل غرس فكرة الصلاة نفسها في ذهنه حتى ولو سجد سجدة واحدة، ثم تبدأ مرحلة تعليمه أركان الصلاة وواجباتها ومفسداتها حين يبلغ سبع سنين، كما ورد في الحديث: “مروا الصبِي بِالصلاَةِ إِذَا بلَغَ سبع سِنِين، وإِذَا بلَغَ عشر سِـنِين فَاضـرِبوه علَيها”.

فيكون عمر العاشرة هو بداية التكليف، حتى إذا بلغ الصبي لم يترك صلاةً مفروضة بعدها.

الصيام

الصيام من قواعد تربية الطفل في الاسلام التي حث عليها، ويكون بمثابة تدريب للصبي وليس واجبًا أو تكليفًا، وذلك لأن اعتياده في الطفولة يسهله عليه عند البلوغ، روى هِشام عن أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ يعلِّم بنِيهِ الصلاَةَ إذَا عقَلُوا، والصوم إذَا أَطَاقُوا”.

الزكاة

فالزكاة تجب على الصغير والكبير على حد السواء، فلا يشترط لها العقل والبلوغ ، فعن عمرِو بنِ شعيبٍ عن أَبِيهِ عن جدهِ أَنَّ امـرأَةً أَتت رسولَ اللَّهِ ومعها ابنةٌ لَها وفِى يدِ ابنتِها مسكَتانِ غَلِيظَتانِ مِن ذَهبٍ فَقَـالَ لَها: “أَتعطِين زكَاةَ هذَا؟ قَالَت: لاَ، قَالَ: أَيسركِ أَنْ يسوركِ اللَّه بِهِما يـوم الْقِيامـةِ” قَالَ فَخلَعتهما فَأَلْقَتهما إِلَى النبِي -صلى الله عليه وسلم- وقَالَت هما لِلَّهِ عـز وجـلَّ ولِرسولِهِ.

فتعليم الطفل أحكام الزكاة، وترسيخها في نفسه يخلق مجتمعًا عادلًا رحيمًا، تسوده المحبة والتكافل، ولذا كان تعويد الصبي على الزكاة أحد قواعد التربية الإسلامية.

الحج

لا يجب الحج على الطفل الصغير، مع ذلك؛ إن حج فله أجر، ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: رفعت امرأةٌ صبياً لها فقالت: يا رسول االله ألهذا حج؟ قال: “نعم ولَكِ أَجر”.

إلى جانب أن تعليم الطفل فريضة الحج منذ صغره، وربطه بالنسك، وحثه عليها؛ يجعله حريصًا عليها في كبره.

3- البناء الاجتماعي

يعد البناء الاجتماعي من قواعد تربية الطفل في الاسلام، والمقصود به تعويد الطفل على مخالطة الناس، وتعليمه آداب التعامل معهم، فيكون متكيفًا مع وسطه الاجتماعي، سواءً مع الكبـار، أو الأصدقاء ومن هم في سنه، وليكون فعالاً إيجابيا، بعيدًا عن الانطـواء، يأخذ ويعطي بأدب واحترام، ويبيع ويشتري، ويخالط ويعاشر النـاس.

ومما يسهم في بناء الطفل اجتماعيًا:

  • اصطحابه إلى مجالس الكبار، وتعليمه آدابها.
  • إرساله لقضاء الحاجات التي تناسب عمره، مثل شراء البقالة للمنزل، وغيرها.
  • تعويده على سنة السلام، وشرح فضلها له حتى يواظب عليها.
  • حثه على عيادة المرضى من أصدقائه، وأقربائه، مع توضيح ثوابها في الإسلام ليكون دافعًا له عليها.
  • اتخاذه أصدقاء من الأطفال في عمره، ومساعدته على اختيار صحبة صالحة تشد أزره.
  • تعليمه البيع والشراء، أو إشراكه في عمل ينفعه، أو مهارة تجعله قادرًا على الكسب.
  • حضور الأطفال للحفلات المشروعة، مثل حفلات الزفاف التي لا تنطوي على محرمات.

4- البناء الأخلاقي

جعل الإسلام الخلق الحسن رديف العمل الصالح حتى يصل المؤمن في النهاية إلى رضوان الله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ما من شيءٍ أثقل في الميزان من حُسن الخلق، وإنَّ الله يُبغض الفاحشَ البذيء”.

ويقول ﷺ في حديث آخر: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا”، وفي حديث ثالث: “إنَّكم لن تسعوا الناسَ بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسطُ الوجه، وحُسن الخلق”، ويقول أيضًا: “إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم النهار، القائم الليل”.

فالبناء الخلقي من أهم قواعد تربية الطفل في الاسلام، لكن كيف تهذب الجانب الأخلاقي عند طفلك؟

تضمن منهج الرسول في تربية الأطفال زرع الآداب الإسلامية والأخلاق الحسنة في نفوسهم، ومن بينها:

الأدب مع الوالدين

فينبغي أن تعلم طفلك برك من صغره، وأن تكون قدوة عملية له في ذلك، فتبر أباك وأمك، إذ إن طفلك سيقلدك في جميع الأحوال، وما تقدمه اليوم؛ تلقاه غدًا.

الأدب مع العلماء

أهل العلم أولى الناس، بالاحترام والأدب معهم وحسن الخلق في معاملتهم، فعن عبادةَ بنِ الصامِتِ، قَالَ: سمِعت النبِي يقُولُ: لَيس مِن أُمتِي من لَم يجِلَّ كَبِيرنا ويرحم صغِيرنا ويعرِف لِعالِمِنا حقَّه”.

توقير الكبير ورحمة الصغير

فيجب تعليم طفلك توقير الأكبر سنًا، واحترام الصغير ورحمته، فعن جابِرٍ، قَالَ: قَالَ رسولُ االلهِ “: لَيس مِنا من لَم يوقِّر كَبِيرنا ويعرِف حق صـغِيرِنا”.

حقوق الجار

فينبغي تعويد الأطفال على مراعاة حقوق الجار والتحسس بآلامه، وعدم إيذائه بأي طريقة من طرق الإيـذاء الجسدي أو النفسي.

آداب الاستئذان

فقد حث القرآن الأبوين على تعليم أطفالهم فقال تعالى: “ا أَيها الَّذِين آمنوا لِيستأْذِنكُم الَّذِين ملَكَت أَيمانكُم والَّذِين لَم يبلُغوا الْحلُم مِنكُم ثَلَاثَ مرات…”.

الصدق

فلا بد أن تعود أطفالك على الصدق دائمًا وتكون قدورة لهم في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: “إِياكُم وروايا الْكَذِبِ، فَإِنَّ الْكَذِب لَا يصلُح بِالْجِد ولَا بِالْهزلِ، ولَا يعِدِ الرجلُ صبِيه ما لَا يفِي لَه بِه”.

كتم الأسرار

فإذا تربى الطفل على خلق حفظ السر وكتمه؛ اكتسب معه صفات أخرى مثل قوة الإرادة، وانضباط اللسان، مما يتسبب في غـرس الثقـة الاجتماعية ونمو بذرة القوة في نفسه.

الأمانة

أولى النبي -صلى الله عليه وسلم- اهتمامًا خاصًا بخلق الأمانة وتأصيله في نفوس الأطفال، وجعله من أهم قواعد تربية الطفل في الاسلام، فلم يك يرض من الأطفال الخطأ في هذا الركن، وإنما كان يعاقبهم إذا أخلّوا به، فعن عبدِ اللَّـهِ بـنِ بـسر الْمازِنِي، قَالَ: بعثَتنِي أُمي إِلَى رسولِ اللَّهِ بِقِطْفٍ مِن عِنبٍ، فَأَكَلْت مِنه قَبـلَ أَنْ أُبلِّغه إِياه، فَلَما جِئْت بِهِ أَخذَ أُذُنِي وقَالَ: “يا غُدر”.

سلامة الصدر

فسلامة الصدر من الأحقاد تحقق توازناً نفسيا لدى الإنسان، وتعوده على حب الخـير للمجتمع، وقد أوصى النبي الأطفال بذلك ففي حديث يخاطب النبي أنس بن مالك فيقول: “يا بنى إِنْ قَدرت أَنْ تصبِح وتمسِى لَيس فِى قَلْبِك غِش لأَحدٍ فَافْعل”.

ولم يكتف منهج الرسول في تربية الأطفال بالحث على الأخلاق الحسنة، بل شمل النهي عن الأخلاق الفاسدة، مثل: السرقة، والكذب، والغش، والسباب، والشتائم، وإيذاء الآخرين، وغير ذلك.

5- البناء العاطفي والنفسي

العاطفة عنصر رئيس في بناء شخصية الطفل، فإن أشبعها بشكل متوازن؛ كان إنساناً سوياً في حياته كلها، وإذا اختل هذا التوازن بالزيادة أو النقصان؛ تشكلت لديه عقد لا تحمد عقباها.

فالزيادة تجعله مدللاً لا يقوم بتكـاليف الحياة، ونقصها يجعله إنساناً قاسياً عنيفاً على كلِّ من حوله، لذا كان البناء العاطفي المتوازن من أهم قواعد تربية الطفل في الاسلام.

لكن كيف نشبع الجانب العاطفي عند الطفل بشكل متوازن؟

وضع النبي عددًا من القواعد لتربية طفل متزن، وذو نفسية متوازنة، ومن بينها:

تقبيل الطفل

فالقبلة لها أثر السحر في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته، إلى جانب تسكينها لثورانه وغضبه، وهي تعبير عن الحب دون تكلف، وسنة واردة عن النبي، فعن عائِشةَ قَالَت قَدِم ناس مِن الأَعرابِ علَى رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا أَتقَبلُـونَ صِبيانكُم؟، فَقَالُوا نعم، فَقَالُوا لَكِنا واللَّهِ ما نقَبلُ، فَقَالَ رسولُ اللَّـه: “وأَملِـك إِنْ كَانَ اللَّه نزع مِنكُم الرحمةَ”.

فربطها النبي بصفة الرحمة، ورقة القلب، فلا يتجنبها إلا قاسي القلب.

الرأفة والرحمة بالأطفال

فالرحمة بالأطفال والشفقة عليهم صفة من صفات النبي، وهي الطريق لـدخول الجنة والفوز برضوان االله، فعن أَنسِ بنِ مالِكٍ قال: جاءَتِ امرأَةٌ إِلَى عائِشةَ، فَأَعطَتها عائِشةُ ثَلَاثَ تمراتٍ، فَأَعطَت كُلَّ صبِي لَها تمرةً، وأَمسكَت لِنفْسِها تمرةً، فَأَكَلَ الصبيانُ التمرتينِ ونظَرا إِلَى أُمهِمـا، فَعمدت إِلَى التمرةِ فَشقَّتها، فَأَعطَت كُلَّ صبِي نِصف تمرةٍ، فَجاءَ النبِـي فَأَخبرتـه عائِشةُ فَقَالَ: “وما يعجِبك مِن ذَلِك؟ لَقَد رحِمها اللَّه بِرحمتِها صبِييها”.

المداعبة والممازحة واللعب معهم

فقد كان -صلى الله عليه وسلم- هيّنًا ليّنًا مع الأطفال يلعب معهم ويمازحهم، فكان الحسن والحسين يتسلقان ظهره وهو ساجد؛ فيطيل سجوده حتى يأخذا وقتهما في اللعب.

واقتدى به الصحابة في ذلك فكانوا يلاعبون أطفالهم ويمازحونهم، ومن ذلك ما رواه أَبو كَامِلٍ مولَى معاوِيةَ قال: دخلْت علَى معاوِيةَ أَنا وخالِد بن يزِيد بنِ أَبِي سفْيانَ فَـإِذَا معاوِيةَ قَد جثَى علَى أَربعٍ وفِي عنقِهِ حبلٌ وهو بِيدِ ابنِهِ يلْعب معه صغِيرا، فَلَما دخلْنا سلَّمنا علَيهِ استحيا مِني ثُم قَالَ: سمِعت رسولَ اللَّهِ يقُولُ: “من كَانَ لَه صبِي فَلْيتصابا لَه”.

الهدايا والعطايا للأطفال

للهدايا أثر طيب في النفس البشرية عامة، وفي نفوس الأطفال أثرها أكبر، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يهادي الأطفال ولا يستصغرهم مهما كانت قيمة الهدية كبيرة، فعن عائِشةَ، قَالَت: قَدِمت علَى النبِي حِلْيةٌ مِن عِندِ النجاشِي أَهداها لَه، فِيها خـاتم مِن ذَهبٍ فِيهِ فَص حبشِي، فَأَخذَه النبِي بِعودٍ بِبعضِ أَصابِعِهِ معرِضا عنه، ثُم دعا أُمامةَ بِنت أَبِي الْعاصِ ابنةَ ابنتِهِ، فَقَالَ: تحلَّي بِهذَا يا بنية”.

المساواة بين الذكر والأنثى في المعاملة

نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التفرقة بين الأبناء، وجعل المساواة بينهم أحد أسباب دخول الجنة، ولمساواة تكون في التعبير عن الحب، وفي العطـاء، وتقديم الهدايا والمال، والتثقيف وطلب العلم، والمعاملة، وحتى في القبلة.

فعنِ ابنِ عباسٍ قَالَ قَالَ رسولُ اللَّهِ : “من كَانت لَه أُنثَى فَلَم يئِدها ولَم يهِنها ولَم يؤثِر ولَده علَيها – قَالَ يعنِى الذُّكُور – أَدخلَه اللَّه الْجنةَ”.

وفي حديث آخر قال: “اتقُوا االلهَ واعدِلُوا بين أَولَادِكُم “.

التوازن في حب الطفل

الإفراط في الحب والتدليل يفسد الأبناء، ويجعلهم غير قادرين على تحمل المسؤولية، ويزيد هشاشتهم النفسية، فيصبح الطفل اعتماديًا لا يستطيع مواجهة الحياة وحده، وفي ذلك ضررٌ عظيم له.

وكذلك التفريط وعدم التعبير عن الحب للأبناء ينشئ جيلًا قاس القلب، لا يعرف الرحمة ولا الشفقة، لذا يجب الموازنة في المحبة والتدليل، حتى تنشئ طفلًا سويًّا نفسيًا.

6- البناء الجسمي

الإنسان جسد وروح، فكما أن تنقية الروح وتربية النفس مهمة، فالبناء الجسدي لا يقل أهمية، إذ به تقوى على الطاعات، والعبادات، ولذا كان البناء الجسمي أحد قواعد تربية الطفل في الاسلام، وعبر عنها النبي بقوله: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”.

وتقتضي التربية الجسمية السليمة أن تعود طفلك على ممارسة الرياضة باستمرار، وتنظم غذاءه حتى يستقيم بنيانه الجسدي، وتقيه من الأمراض، ومن أهم الرياضات التي حث النبي على تعلمها:

  • السباحة
  • الرماية
  • ركوب الخيل

فعن أَبِي رافِعٍ، قَالَ: قُلْت يا رسولَ االلهِ أَلِلْولَدِ علَينا حق كَحقِّنا علَيهِم؟ قَالَ نعـم، حق الْولَدِ علَى الْوالِدِ أَنْ يعلِّمه الْكِتابةَ، والسباحةَ، والرمي، وأَنْ يؤدبه طَيبا”.

وكتب عمر بن الْخطَّابِ -رضي الله عنه- إِلَـى أَهـلِ الشامِ: “أَنْ علِّموا أَولَادكُم السباحةَ، والرمي، والْفُروسِيةَ”.

ولا يلزم أن تكتفي بتلك الرياضات فقط، بل يمكنك تدريب طفلك على غيرها مما تظن أنه ينفعه ويقوي جسمه، فالغرض هو جعل الطفل نشيطًا، وإبعاد الخمول والكسل عنه.

7- البناء العلمي والفكري

حرص الإسلام على بناء عقلية أتباعه، فحثهم على طلب العلم، ورفع مكانة العلماء على غيرهم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “العلماء ورثة الأنبياء”.

وجعل البناء العلمي والفكري من أهم قواعد تربية الطفل في الاسلام، وأمر صحابته بالتعلم فقال: “طَلَب الْعِلْمِ فَرِيضةٌ علَى كُلِّ مسلِم”.

كذلك شجع النبي أطفال الصحابة على طلب العلم، فعنِ ابنِ عباسٍ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ: “حِفْظُ الْغلَامِ الصغِيرِ كَالنقْشِ فِـي الْحجـرِ، وحِفْظُ الرجلِ بعد ما يكْبر كَالْكِتابِ علَى الْماء”.

وأفضل ما تبدأ تعليمه لطفلك القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، فقد كان هذا نهج الصحابة والتابعين في تعليم أبنائهم، يقول ابن سينا في كتاب السياسة باب سياسة الرجل ولده: “فإذا تهيأ الصبي للتلقين ووعي سمعه؛ أخذ في تعليم القرآن، وصورت له حروفه الهجاء، ولقن معالم الدين”.

ولا يعني ذلك إهمال العلوم الأخرى، بل يوازن بين فهم القرآن، وتعلم أمور دينه، إلى جانب دراسة ما تستهويه نفسه من العلوم الأخرى، هذا مع تعلم اللغة العربية، ولغة أجنبية معها.

في النهاية، بناء شخصية الطفل المسلم يعد هدفاً أساسياً من أهداف رسالة الإسـلام، ذلـك لأن الأطفال هم المستقبل، ورأسمال الأمم، فما نزرعه بهم اليوم؛ سنحصد ثماره غدًا، لذا عني علماء المسلمين على مر العصور باستمداد قواعد تربية الطفل في الاسلام من المنهج النبوي، للاستنارة بها في تربية جيل صالح نافع لأمته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *