قراءة القصص للاطفال

كان يا ما كان في قديم الزمان..
هكذا كانت تبدأ حكايا الجدة والتي لن ننساها ما حيينا، ومهما نسينا من ذكريات الطفولة ستظل تلك الحكايا عالقة في الذاكرة!

فهل ترغبين في صنع ذكريات مشابهة لأطفالك من خلال قص الحكايا؟

بالتأكيد! ومن لا يرغب؟!

سنأخذك في جولة سريعة ما بين الماضي والحاضر، نغوص في أعماق القصص لنعرف عناصرها، وكيف نحكيها، ونتعلم أهمية قراءة القصص للاطفال، وكيفية توظيفها في العملية التربوية؛ فتابعي معنا بقلبك وعقلك.

أهمية قراءة القصص للاطفال

القصص هي نافذة الطفل لعالم الخيال والإبداع، وبها يغذي روحه وعقله، وتزداد متعته، ولا تقتصر أهميتها على ذلك، إذ هي من أهم الوسائل التربوية، وأكثرها تأثيرًا في نفس الطفل إذا أحسنتِ توظيفها.

بالإضافة إلى تأثير القصة الكبير في العملية التعليمية للطفل، ففي دراسة أجريت تحت إشراف جامعة فوكوشيما اليابانية أثبتت تأثير رواية القصص على تنشيط الفص الجبهي بالدماغ، وبالتالي زيادة مستوى التركيز وتلقي المعلومات.

وإلى جانب الفوائد السابقة لقراءة القصص للاطفال، هناك فوائد أخرى، من بينها:

1- غرس القيم الأخلاقية

تساعد القصص بشكل كبير في تعليم الأطفال الصواب والخطأ، والخير والشر بشكل غير مباشر، وبالتالي يكون التأثير النفسي أعمق وأكبر.

على سبيل المثال، عندما تقرأ قصة ما قبل النوم لطفلك يمكنك دمج الشخصيات والحبكة لتعليم الطفل أهمية الأمانة، أو الصدق، أو تنفيره من الكذب، وغير ذلك من القيم والأخلاقيات الأخرى، فتوظفها لتعديل سلوكيات الطفل الخاطئة، وتعليمه القيم والأخلاقيات الصحيحة.

اقرأ أيضًا: مشاكل الاطفال السلوكية الأكثر شيوعًا، أسبابها وطرق علاجها.

2- تعليم الطفل

إحدى فوائد قراءة القصص للاطفال هي تعليمهم، فمثلًا حكاية القصص التاريخية، وسير الصحابة والتابعين، بشكل سلس وممتع يعلم الطفل الماضي، ومن تعلم الماضي؛ سهل عليهم فهم الحاضر، واستقراء المستقبل، فينشأ طفلك مثقفًا واعيًا يؤثر ولا يتأثر بسهولة.

3- تعزيز التفكير الإبداعي

القصص بمثابة نافذة سحرية لعوالم الخيال، ينطلق الطفل من خلالها ليعيش المغامرات، ويتعايش مع أبطالها، فينمو خياله، ويزداد إبداعه، خاصةً إذا جعلته عنصرًا فاعلًا في الحكاية بأن تسرد له جزءًا من القصة وتطلب منه تخيل بقية الحكاية.

4- تطوير اللغة

تعد القصص مصدرًا غنيًا للمفردات اللغوية، فتساعد الأطفال على تعلم كلمات جديدة، وتحسين قواعد اللغة، وتطوير مهارات القراءة.

بالإضافة إلى أن قراءة القصص للاطفال تعلمهم كيفية التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية، من خلال وصف الحالة النفسية لأبطال القصة مثل الشعور بالخوف، أو الحزن، أو السعادة، وغير ذلك من المشاعر الأخرى، فيفهم الطفل المشاعر، ويعرف كيف يعبر عنها، ويتعامل معها.

5- تعويد الطفل على القراءة

قراءة القصص للاطفال من الكتب، وتفاعلهم معها من الصغر يربطهم بها ويجعلهم أكثر ميلًا للقراءة عندما يكبرون، فيصبح الكتاب رفيقا لأوقات فراغهم بدلًا من الشاشات.

6- تنمية الذكاء العاطفي

تمكّن القصص الأطفال من فهم مشاعرهم، ومعرفة كيفية إدارتها، والتعامل مع المواقف الصعبة، وكذلك فهم مشاعر الآخرين ومعرفة الطريقة المثلى للتعامل معها، وذلك من خلال مختلف المواقف التي يمر بها أبطال القصص والحكايات التي تروينها لهم.

ولا تقتصر فوائد قراءة القصص للاطفال على العناصر الستة السابقة؛ بل تعلمهم كيفية التعامل مع العالم الكبير الذي نعيش فيه من خلال عرض نماذج مبسطة في عالم القصة الصغير.

ولذا بلغ السرد القصصي في القرآن الكريم حوالي ثلثه، لعلم الله -عزّ وجلّ- بطبيعة النفس البشرية وتأثرها بالقصص.

لكن رغم الأهمية الكبيرة لقراءة القصص للاطفال؛ إلا أنها لن تؤتي ثمارها إذا حكيتها بطريقة خاطئة، فكيف احكي قصص للاطفال؟

فن حكي القصص للأطفال

حكاية القصص مهارة لها أصول يجب اتباعها حتى لا يمل الطفل، فكيف تجذبين انتباه طفلك وتحافظين عليه طوال مدة حكي القصة؟

1- اختاري القصة المناسبة

اختيار القصة عليه عامل كبير في جذب انتباه الطفل، فيجب أن يكون طول القصة مناسبًا دون تطويل ممل، أو إيجاز لا يلبي شغف طفلك، كذلك كمية الأحداث، وعدد مسارات القصة.

فمثلًا القصة البسيطة والتي تناسب عمر طفل الثالثة ستكون ساذجة ومملة إذا حكيتها لطفل آخر في عمر الخامسة.

2- حضِّري قبلها

الارتجال يزيد من معدل الأخطاء، لذا يفضل أن تقرئي القصة جيدًا قبل أن تحكيها لطفلك، حتى تربطي مسار الأحداث، ويسهل عليك تخيل الشخصيات، وبالتالي الحكي بشكل أفضل.

3- غيِّري طبقة الصوت

احذري من تحويل القصة إلى كتابِ ممل! وهذا ما سيحدث بالتأكيد إذا التزمت بطبقة صوت واحدة طوال الحكاية، وبالتالي سيُعْرض الطفل عنها.

فلا بد من تغيير طبقة الصوت وفقًا لشخصيات القصة، والحالة النفسية والجسدية لهم من ضعف أو قوة أو غير ذلك.

فمثلًا: صوت الأسد الجهوري لن يكون مثل صوت النملة الرفيع بالتأكيد!

4- تفاعلي مع المشاعر

يمر أبطال القصة بأطوار مختلفة من المشاعر، مثل الغضب، والحزن، والملل، والسعادة، فهل يمكن أن تعبري عنها جميعًا بنفس الملامح وطبقة الصوت؟

إذا فعلت ذلك سيمل طفلك ولن تؤتي القصة نتائجها المطلوبة، فيجب أن تجذبي حاستي السمع والبصر عند طفلك، فينتبه دماغه وينشط، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تفاعلتِ مع شخصيات القصة، وعبرت عنهم من خلال تعبيرات الوجه، وحركات الجسد، وطبقات الصوت.

فمثلًا: إذا كانت شخصية القصة يائسة سنعبر عن ذلك بتهدل الكتفين، وإن كانت غاضبة فالابتسام حينها سيكون خاطئًا، والعبوس أو التكشير وضم الحاجبين هو التعبير الأنسب، وهكذا.

5- وظِّفي الأسئلة

إذا اتبعت الخطوات السابقة أثناء قراءة القصص للاطفال؛ فلن يملوا غالبًا، لكن لو تشتت ذهنهم في منتصف الحكاية فماذا تفعلين؟

الأسئلة التفاعلية ستكون حلًا ممتازًا حينها، إذ ستلفت انتباههم من جديد، وتعيد تركيزهم إلى القصة، فاطرحي أسئلة بسيطة في منتصف الحكاية، لكن لا تحوليها لاختبار عن الأحداث السابقة.

فإذا فعلت ذلك ستنجح القصة في جذب انتباه طفلك، ومن ثم التأثير عليه نفسيًا، وعقليًا، وسلوكيًا.

لكن إذا احتجت لقصة عن موضوع معين أو مشكلة ما ولم تجدي ما يناسب طفلك؛ فماذا تفعلين حينها؟

أكتبي القصة أنتِ، ثم احكيها.. فكيف تؤلفين قصة مرتبة الأحداث ومتناسقة؟

كيف تؤلفين قصة مناسبة لطفلك؟

كتابة القصص مزيج من الفن والعلم، لكن تعلم أدواته سيعوض غياب الموهبة -إن لم تكن لديك- خاصة أنك لست مضطرة لصياغة الحكاية بشكل بديع، بل الأهم أن تكون الأحداث شيقة، وتسلسلها منطقي، وحتى تفعلي ذلك بإتقان لا بد أن تتعرفي على العناصر الأساسية للقصة، وأهمها:

1- الفكرة

عن أي شيءٍ ستدور قصتك؟
الفكرة ببساطة هي محور القصة، والأساس الذي ستدور حوله أحداثها، وعادةً تكون عنوان القصة، اختاري فكرة غير مباشرة، توصل القيمة أو الخلق الذي تريدين غرسه في طفلك بشكل غير مباشر.

2- المقدمة

تتضمن المقدمة تمهيدًا للقصة، وتوضيحًا لزمانها، ومكانها، والشخصيات الرئيسة بها، ومن أمثلة ذلك المقدمة الكليشية القديمة: “كان يا ما كان في قديم الزمان كان هناك… وهنا نذكر الشخصيات)

3- الحبكة

تشير الحبكة إلى سلسلة الأحداث في القصة، وتتكون من: المشكلة، وتصاعد الحدث، والذروة، والهبوط، ويجب أن تكون الأحداث بها منطقية ومرتبة، ومتناسقة، وتتبع خطًا زمنيًا محددًا.

4- الصراع

الصراع، أو العقدة، أو ذروة الحدث، وهو القمة التي تتفاقم فيها المشكلة ليأتي بعدها الحل في النهاية.

فمثلًا “قصة الطفل الذي كان يرعى الغنم ويصرخ أن الذئب سيأكله، فيذهب إليه أصدقاؤه لينقذوه فيجدونه بخير ويكذب عليهم” فالعقدة في تلك القصة هي المرة الوحيدة التي كان الطفل صادقًا فيها لكن لم يصدقه أصحابه لكثرة كذبه.

فالعقدة هي النقطة التي تحتدم فيها الأحداث، ليحدث التغيير بعدها.

5- النهاية

بعد العقدة يأتي الحل، ومن ثم خاتمة قصيرة تحتوي على المغزى من القصة، وتقدم نصائح وإرشادات غير مباشرة وبشكل لطيف.

كتابة العناصر السابقة أمامك، والاستعانة بمحركات البحث، وإعمال الخيال للوصول للفكرة المناسبة وسرد الحكاية؛ سيمكنك من كتابة قصص مناسبة لطفلك.

ختامًا، قراءة القصص للاطفال ليست مهمة روتينية لتوفير متعة مؤقتة لهم فقط، بل هي من أهم الوسائل التربوية، والتعليمية، لكنها لن تعطيكِ شيئًا إلا إذا أعطيتها أنت أولًا.

فأعطها من وقتك، ومجهودك، وتعلمي مهارة الحكي لتعينك على غرس القيم بطفلك وتعديل سلوكياته.

 

اقرأ أيضًا: قائمة بـأفضل كتب تربية الأطفال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *