الغيرة في جوهرها تدور حول انعدام الأمن أو الخوف أو الشعور بالمنافسة، إنه شعور داخلي للطفل بأنه ليس كافيًا؛ وأن شيئًا ما ينقصه!
لكن، ذلك الطفل الصغير الذي بدأ لتوه في مواجهة، كيف تدور بداخله كل تلك المشاعر؟
في هذا المقال نجيب على ذلك السؤال، ونوضح أسباب وعلامات الغيرة عند الاطفال، وكيف نتغلب عليها، فتابع معنا.
في أي سن يظهر شعور الغيرة عند الأطفال؟
البشر مختلفون سواءً كانوا بالغين أو أطفالًا، وتختلف حدة المشاعر عندهم وأسبابها وطرق التعبير عنها من طفل لآخر، ومن تلك المشاعر: الغيرة.
لكن بشكل عام يبدأ الإحساس بالغيرة عند الأطفال في الشهور الأولى من عمرهم، وترتبط بالإدراك وتعرف الطفل على أمه، وبالتالي يشعر بالغضب والغيرة إذا لاعبت أحدًا غيره، أو انشغلت عنه، وقد يبدأ ذلك في عمر الستة أشهر، لكن تظهر حدته أكثر بعد العام.
فوفقًا لدراسة أُجريت على 112 طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين 4 أشهر ونصف و4 أعوام ونصف؛ ظهرت علامات الغيرة عند الاطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام وعامين ونصف بشكل أكبر من غيرهم، بينما كان الأطفال في عمر 3.5 عامًا أكثر تمييزًا للمواقف الاجتماعية المختلفة التي تثير الغيرة.
علامات الغيرة عند الاطفال
تختلف علامات الغيرة عند الاطفال باختلاف شخصياتهم، وفئاتهم العمرية، وهناك عددٌ من العلامات التي قد تظهر على الطفل إذا غار، منها:
- الغضب والانفعال على أي أمر مهما كان بسيطًا.
- انتقاد الطفل الذي يغار منه، والتحدث عنه بشكل سلبي ومحاولة التقليل منه، وتعد هذه أبرز علامات الغيرة عند الاطفال.
- محاولة إيذاء الطفل الآخر، مثلًأ: أن يطلب منك أن يقبل أخاه الصغير، ثم يتعامل معه بعنف بدلًا من تقبيله.
- ظهور صفات العناد والعصبية وحتى العنف بشكل واضح يعد من علامات الغيرة عند الاطفال أيضًا.
- الالتصاق بالأبوين ومحاولة جذب انتباههم حتى ولو بممارسة أفعال سلبية.
- رفض الاستجابة لطلبات أبويه كطريقة للتعبير عن مشاعره، يعد واحدًا من علامات الغيرة عند الاطفال كذلك.
إذا ظهرت واحدة من علامات الغيرة عند الاطفال -التي سبق ذكرها- على طفلك -ولم تكن لديه من قبل- وارتبط ظهور تلك الصفة بمتغير جديد في حياة الطفل، فحينها قد تكون الغيرة هي السبب.
ولا يعني ظهور تلك الصفات أن الطفل سيئ، فالأطفال يولدون كالورقة البيضاء، وما يكتبه الأبوان عليها؛ يجدانه في النهاية!
لذا لا تتحامل على طفلك، بل اعرف أسبابه ودوافعه أولًا، ثم قم بعلاجها، فكما يقولون: “إذا عُرف السبب؛ بطُل العجب”!
أسباب الغيرة عند الأطفال
تتعدد أسباب الغيرة عند الأطفال، فمنها الأسباب العارضة، مثل: ولادة أخٍ جديد له، وفي بعض الحالات تظهر كنتيجة لأفعال الأبوين، أو أسلوبهم الخاطئ في التربية، فيما يلي بعض العوامل التي قد تسبب الغيرة:
1- تدليل الطفل بشكل مفرط
يميل جميع الآباء إلى تدليل أطفالهم، وذلك التدليل قد يكون صحيًّا للطفل إذا كان بشكل معتدل، وصاحبه تقويمٌ وتوجيهٌ للطفل نحو الصواب.
لكن إذا كنت تدلل طفلك بشكل مفرط فقد يولد ذلك لديه شعورًا بالتفوق على الآخرين، ويزرع فيه بذورًا للغرور، فحينها إذا صادف طفلك شخصًا يمتلك شيئًا أفضل منه؛ قد يشعر بالغيرة وعدم الأمان.
2- المقارنة بين الأطفال
تعد المقارنة بين الأبناء، أو مقارنة طفلك بغيره على العموم؛ من الأخطاء التربوية الفادحة، إذ تضعف من ثقة طفلك بنفسه، وتولد عنده مشاعر الغضب والغيرة تجاه الطفل الذي يُقارَن به.
قبل أن تقارن طفلك؛ تذكر أن الأطفال مختلفون، لكنهم يتفقون في شيئ واحد: لا أحد منهم كامل!
فالمميزات التي تراها في الأطفال الآخرين وتقارن طفلك بها؛ تقابلها عيوبٌ أخرى قد تكون أشد، لذا ركز على طفلك، وتعامل معه كحالة فردية، امدح مميزاته، وقوِّم عيوبه لكن دون مقارنة.
3- المنافسة غير الصحية
النشاطات التنافسية قد تكون وسيلة جيدةً لتعليم الأطفال لكن إذا تم تطبيقها بشكل صحيح، إذ إن التطبيق الخاطئ لها يُمكن أن يؤثر على شخصية الطفل بشكل سلبي، ويتسبب في شعوره بالغيرة.
على سبيل المثال: إذا اشترك طفلك في مسابقة ما، ثم لم يفز بالمركز الأول، أو خرج من الأدوار الأولى، فالصواب هنا تشجيعه وزيادة ثقته بنفسه، والبحث معه عن مواطن القصور ومن ثَمّ معالجتها، لكن إذ قمت بدلًا من ذلك بمدح الفائز، والتقليل من طفلك وجهوده؛ حينها ستتولد لديه مشاعر الغيرة.
4- الإفراط في السيطرة
إن وضع قواعد صارمة للأطفال دون توضيح السبب سيؤثر عليهم بشكل سلبي، ويفقدهم الثقة بالنفس، إلى جانب أنه قد يتسبب في شعورهم بالغيرة من أقرانهم الذين يتمتعون بقدر أعلى من الحرية.
5- التفريق في المعاملة بين الإخوة
في بعض الأحيان قد يولي الوالدان مزيدًا من الاهتمام بأحد أبنائهم أكثر من غيره، مما يتسبب في غيرة باقي إخوته منه، وقد يصل الأمر إلى تأسيس مشاعر الكراهية بين الإخوة.
لذا، احرص على المساواة بين أبنائك في الأمور المادية والمعنوية، كما ورد في الحديث الشريف: “اعدلوا بين أبنائكم ولو في القُبَل”
6- ولادة أخ جديد
ولادة أخٍ جديد قد تزيد من علامات الغيرة عند الاطفال، إذ غالبًا ما يشعر الأخ الأول بالغيرة من أخيه المولود حديثًا عندما يرى اهتمام الوالدين به أكثر، ويخاف أن يأخذ مكانه عندهم، مما يعزز مشاعره السلبية تجاه الرضيع، لكن في الغالب تكون تلك الغيرة مؤقتة، وعادةً ما تزول خلال شهور بسيطة إذا تم التعامل معها بشكل صحيح.
كيف أساعد طفلي الغيور؟
فيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على تقليل علامات الغيرة عند الاطفال، ومعالجتها:
1- استمع لطفلك
أحيانًا ترجع الغيرة لأسباب نفسية عميقة داخل الطفل، لذا اجعل خطوتك الأولى هي الاستماع لطفلك، ومعرفة أسباب غيرته، ومن ثمّ تقديم المساعدة له بناءً عليها.
2- اجعل غيرته إيجابية
حول مشاعر طفلك السلبية تجاه الآخر إلى مشاعر إيجابية، من خلال تعويده أن يدعو لنفسه ولغيره بالخير إذا رأى نعمة عنده وتمناها، بدلًا من تمني زوالها.
3- شجعه وحفزه باستمرار
إذا كان طفلك يغار من صديقه المتفوق دراسيًا؛ شجعه أن يصبح متفوقًا هو الآخر، من خلال تحفيزه ورفع ثقته بنفسه وبقدراته.
4- كن عاطفيًا تجاه طفلك
أظهر تعاطفك مع طفلك، ولا تأنبه أو تعاقبه على مشاعر الغيرة، بل أبدِ اهتمامك وأرشده برفق، وعلمه كيف يتحكم بمشاعره ويديرها بشكل صحيح.
5- لا تقارنه بغيره
لا تقارن طفلك بغيره، فكل طفل فريد من نوعه وله مواهب مختلفة، بل اكتشف ما يجيده طفلك وساعده على تطوير مهاراته وإتقانها بدلاً من مقارنته بالآخرين.
6- لا تبالغ في مدح طفلك
كما أن المبالغة في الحزم مرفوضة؛ كذلك المبالغة في المدح، والتي قد تصل بالطفل إلى الغرور، وبالتالي تؤجج مشاعر الغيرة إذا أحس بتفوق غيره عليه.
امدح طفلك وأثنِ على أفعاله الجيدة، لكن بشكل متوازن.
7- احكِ له قصة
التربية بالقصة أثبتت فعاليتها منذ مئات السنين، احرص على معالجة مشكلات طفلك من خلال حكاية القصص الهادفة له، والتي تمس المشكلة وتسلط الضوء عليها.
8- عزز ثقته بنفسه
اعمل على زيادة ثقة طفلك بنفسه، من خلال ذكر نقاط قوته، ومهاراته المميزة، وتحفيزه على تطويرها بشكل جيد، ثقة طفلك بنفسه ستقلل غيرته بشكل ملحوظ.
في النهاية، ظهور علامات الغيرة عند الاطفال -في الغالب- تكون عرضًا لمشكلات أخرى، مثل: الخوف، أو عدم الثقة بالنفس، لذا اعرف سبب غيرة طفلك أولًا، حتى تستطيع علاجها بشكل فعال.
اقرأ أيضًا: مشكلة العناد عند الاطفال و8 خطوات للتعامل مع الطفل العنيد.